غِيابُكِ في الفؤادِ لهُ احتِشاءُ = وطَيفكِ في الخيَالِ لهُ انتِماءُ
عَشقتُكِ، هلْ إلى العُشَّاقِ صَبرٌ
= وهَل يُجلَى بلُقيَاكِ الشَّقاءُ
عشقتكِ في القَرارِ كعِشقِ صَبٍّ = وَعينِي لَم يُكَحِّلها الضِّياءُ
فشَوقِي كالخُسوفِ بلَيلِ دَهرِي =ولَيلِي - مِن صَباً - ندراً يُضاءُ
يُقلِّبُني مِنَ الأشواقِ ضُرٌّ =لرُؤيَا مَن لَها يُرجى اللِّقاءُ
فَصبرِي للِّقاءِ دَبيبُ نَملٍ = وَشَوقِي كالجِيادِ لَها الفَناءُ
فَلا بالصَّبْرِ تَنفلِقُ اللَّيالِي = ولا بالوَصْلِ يكتَملُ الرِّضاءُ
فَقُربُكَ قدْ أذاقَ النَّفْسَ حِسًّا = لَهُ لِلرُّوحِ دِفءٌ واحتِماءُ
فَخَوفِي بعدَما مُلئَتْ عُيوني = رَحِيلاً زادَهُ بالهَجْرِ دَاءُ
أُحاوِرُ مَن لَها في الرُّوحِ كَونٌ = فَيُكرِمُني معَ الرَّدِّ الحفاءُ
فيا لَيتَ اللِّقاءَ يشُدُّ صبرِي = ويَمْحُو مِن هُمومي مَا يشاءُ
لبُعدِكِ يرتَوِي في النَّفْسِ جُرحٌ = فيَشفِيهِ إذا شُفِيَ الفَناءُ
فجُرحِي نازِفٌ فيهِ صَلِيلٌ = تسَامَى مِن مَجارِيهِ الدَّواءُ
وباتَتْ - مِن قذَى أَلَمِي - عِظامِي = كأغصانٍ يُجرِّدُها الشِّتاءُ
فوَصْلُكِ والرحيلُ عمَى عُيُونِي = مَنَ الأشواقِ، أدْمَاها البُكاءُ
كِيَانِي في الفِراق ضَئيلُ قَشٍّ = عَلاهُ العَصْفُ ليلاً والهَواءُ
عُروقِي مِن أَسَايَ تَجِفُّ غمًّا = فَتروِيها بِلُقيَاكِ الدِّماءُ
فيَا ليلَ الأَسَى قدْ دُمتَ خُلداً = فهَلْ يُجْلِيكَ مِن عُمْرِي الضِّيَاءُ
* * *
لِوَصْفِكِ - إنْ وصَفتُ - لهُ انتِهاءُ =ووَصْفُكِ بالكَمالِ هُوَ ابتِداءُ
سوادُكِ في الرُّؤَى نُورٌ وقُدسٌ = ورَوضُكَ لِلسَّمَاءِ لهُ السَّمَاءُ
وَيَكسوْهَا السَّوادُ.. كأنَّ بدراً = لهُ في اللَّيلِ وَهْجٌ يُستَضاءُ
جَمالٌ في المقامِ لهُ مُهابٌ = وأَركانٌ يُزَيِّنُها الغِطاءُ
بِها الدُّنيا غَدَتْ للكَونِ قلباً =على نبضاتِهِ دامَ البَقاءُ
بِها الآفاقُ أكوانٌ تَجَلَّتْ =بِها الأجواءُ مِصباحٌ يُضاءُ
بها النَّسماتُ أفواهٌ تنادِي = لهُ التَّهليلُ دوماً والثَّناءُ
لها ربٌّ يُتوِّجُها بِنُورٍ = هُوَ النُّورُ الإلهِيُّ المُضَاءُ
لَها ضوءٌ عَلا الأضواءَ وَهْجاً = بألوانٍ، فَيَتْبَعُهُ الفَضاءُ
رَحَلتُ مُهاجِراً أهلِي ومَالِي = لِلُقياها, فقَدْ طَفَحَ الإنَاءُ
سَعَيتُ مُنادياً والقَلبُ طَيرٌ = يُرفرِفُ نَحوَها والعَينُ مَاءُ
تُسابِقُ مِن عظِيمِ الشّوقِ قَلبِي = معَ السَّاقِينَ، يُسْعِفُها السَّخاءُ
فنادَى القلبُ: يا قَدَمَايَ سِيْرَا = فأَسْلَمَها إلى الرَّكْضِ الوَفاءُ
قَرُبْتُ وَمِن فِنَاهَا عِندَ ليلٍ =كأنَّ الأُفْقَ فَجرٌ وارتِقاءُ
أُعانِقُها كأضلاعِي لقَلْبِي = وأحْضُنُها فيغمُرُني البَهاءُ
عَجِبتُ لِطَلعَةٍ فاقَتْ خَيالاً = يؤجِّجُها بأضْواءٍ سَناءُ
جَلستُ أمامَها والعَينُ مَلأَى = بآياتٍ يُزخرِفُها النَّقَاءُ
سَجدتُ أمَامَها للهِ ربًّا = فرؤيتُها لِهَيبتِها نَماءُ
شَعرتُ بالأمانِ، كأنَّ رُوحِيْ = يُدثِّرُها بأَعْصَارٍ بِناءُ
دخلتُ مُنادياً "اَللهُ أكبَرْ" = فسارَعَ مِن مُناداتِي الوَلاءُ
ستيرٌ ماجدٌ رَبُّ رحِيمٌ = عِظيمٌ غافِرٌ أحَدٌ، رَجاءُ
دخَلتُ مؤمِّلاً كرَماً وَفَوزاً = ومَرضاةً بِها يعْلُو الرِّضَاءُ
فذنبِي ذَلَّنِي، والذَّنبُ ذُلٌّ = فمِنهُ ظاهرٌ، مِنهُ الخَفاءُ
فكيفَ بِحيلَتِي والنَّفْسُ ثَقْلَى = بِمعصِيةٍ بها يَكْبُوْ الدُّعاءُ
* * *
دخَلتُكِ طالباً ربِّي مَلاذاً = فأخجلَنِي مِن الطَّلَبِ الحَياءُ
دخلتُكِ حامِلاً في النَّفْسِ وِزْراً = عَلا الأكوانَ مِنهُ إِسْتِياءُ
قَدِمْتُكِ حافياً، نَدَمِي عظيمٌ = لوجهِكِ قادَني ربِّي ابتِغاءُ
قدِمْتُكِ شاكياً للهِ أمْرِي = فقَدْ أضحَى معَ الذَّنبِ البَلاءُ
دخلْتُكِ حائراً: هلْ مِن شفيعٍ = فيأتِينِي مِنَ اللهِ النِّدَاءُ
أَتسأَلُ شافِعاً وأنا قَرِيبٌ = أُجِيبُ لِدعوَةٍ فيها الرَّجاءُ
تُراني هَلْ أَعِيشُ ويأتِي يَومٌ = فيَجْمَعُنِي معَ البَيتِ اللِّقاءُ
سَلامٌ لِلمَقامِ ومَنْ بَناهُ، = سلامٌ صَادِقٌ فيهِ الوَفَاءُ