[color:18fa=red]اي مبدع يمكن ان يتهرب من الطفولة او مما يدور من حوله ويحاول ان يفلت من الامكنة، ويتخلص من الازمنة ، ويقتات على اشياء درس عنها او تعلم منها ،يمكن لأي انسان ان يبدّل ذاته العتيقة الى ذات اخرى ،ويمسح وشم الذكريات ،ويكتب بالفنتازيا او عن اي شيء آخر، الا روح الشاعر..!،
هي عكس هذه المقدرات والتحولات المقصودة، تلك الروح التي تتحرك بوعي الايحاءات المدفونة في الذات والامكنة، وقناطر الازمنة ،التي تعبر منها الى العالم الايحائي، روح الشاعر خارج الحاجات البايولوجية ،هي روح في منتهى الصراعات ،وايضا في منتهى التصالحات ،هي ذروة المتناقضات ، روح مزدحمة ، وروح مرتبكة ،وذات منتهكة ،لكنها متجذرة في ارضها الاولى، لاهوادة لها من الذكريات التي تتبع خطوات الشاعر اينما يتوارى .
هذا الهم الانساني والكوني نجده في مجموعة ( اطراس البنفسج ) للشاعر المبدع شاكر مجيد سيفو، الذي صدرت له الكثير من المجاميع الشعرية، وغيرها في الفن الادبي في اللغتين السريانية والعربية،هما لغتان تتشكل منهما روح الشاعر التواقة الى التغيير او الى جمع الجزئيآت المتناثرة في هذا الكون البعيد الذي تحكمه عوامل فيزياوية متعادلة ومترابطة ،لكنها لاتخضع للمطلق المنظور حيث توجد الكثير من العوامل التي لم يكتشفها الانسان، ولايتحسسها سوى الشاعر الحالم .
الطرس هي الصحيفة التي كتبت ومُحيت ربما نتيجة العوامل الطوبوغرافية او عبثت بها يد ٌ!!،يقول الشاعر سيفو في قصيدة ( انا وهؤلاء البنفسج فوق ..) نتكرر في امحاء الكلام ... /نتكرر في الصعود / في الصعود البنفسج والبيبون ،دائما - / في هذه القصيدة يحاول ان يلقي عصاه السحرية على الاشياء،فاما تومض له برتابة الاشياء، فيتركها واما تمنحه حكمة نائمة من بلاد آشور التي تمتد سلالتها الاولى الى تلك العصور فيأخذ تلك الحكمة وينشرها على حبال الخيال / نتمدد في سهونا ونومىء ُ/ الى غيمة تموء في سرير السماء ص73.
يعتمد الشاعر شاكر مجيد سيفو بلا قصدية على الموروث الفلكلوري والمثيولوجي وعلى السلالات الموغلة في القدم التي تشكلت من خلالها الحضارات الاخرى ، هو ينهض من بلاد آشور واكد وسومر وجميع الحضارات الاولى في المعمورة، التي نهضت من وادي الرافدين وهو نسخ روحي متوارث في كل قصيدة يستحضر روحا من داخل هذا الكم الهائل المتراكم داخل روح الشاعر بل هي ارواح في جسد واحد، وصاحب هذا الجسد معلق من اهداب عينيه يطوق ويحتضن الازمنة ويزيح عنها غبار القرون ويقرأ الواح العصور الغابرة وتضاريس التاريخ الماضية / في حفلة ٍ للنايات / وعندما كان نايي ممتلئا بالقمح / كانت تسيل منه الحياة / وكان يُبرىءُ اعيادك الكريمة / عن الغلط والسهو / ظل َّ نايي لايُخطئ النفخ / ودائما كانت الحياة تسيل منه / وحينما كنت انفخ ُ فيه في فيك / كنت تمتلئين بالحياة في مسلة الحاء / وفي القلب والحديقة /حديقتك السرمدية السرية !!!/ ص 93.
يقتفي الشاعر شاكر مجيد سيفو اثر الكلمات النزقات ويتابعهنَّ كصياد ٍ ماهر ولكنه صياد لايمتلك الفخاخ ،هو يقتنص زبدة الحكمة من الاطراس الممحاة ويفك رموزها العاثرة بالخربشات ليجد مايصبو اليه من معان متنوعة في الحب، تراه يتغزل وهو ممتلء بالتوهج / عطر « زهرة النيلوفر « يجرني من ياقة قميصي الوردي /دائما احتفي بها / واسأل ايها الاصدقاء / بمن تحتفي انت ؟ ومن يحتفي بك ؟ ص 56.
يمتلك سيفو قدرة التحولات الآنية السريعة فحين تقرأ مطلع اية قصيدة من الجملة الاولى ،يظن القارىء المتحمس لتتبع القصيدة ان الشاعر سينحو الى مقدار معين من سعة الشعر المدهشة ولكنه يفاجئ القارىء بصدمة اثر اخرى ،فيشكل محورا ً للصور والمعاني والاستعارات فيظل متحدا مع كل هذه التشبيهات ليستمتع بذلك / مرة .. أخذت عائلة اشجاري / بعيدا عن الصحراء / فآويت خضرة يدي .. / بدلوا له داء الشقيقة بداء الملوك / فظل ينفخ في ثرائه من الصداع ! لإثراء البنوك..!!ص 49.
المتتبع للقصيدة انه سيقتفي اثرا غير مكمل الى هذه الصورة الاولى ، مما يوحي قدرة الشاعر على الانقلاب الشعري لاستيعاب شكلانية اخرى تستنبط معاني اخرى وقدرات للدخول الى عوالم اخرى .
انظر في هذا المقطع الذي يوحي لك ان هذه اللغة المروية على شكل مقطع شعري كيف يقبل التأويل الاول ويسحب القارىء الى مناطق اكثر سعة من ذي قبل / وحينما امسد ضفائرك الفضية / باصابعي الملائكية البنفسجية / وأرسل فيها من رضاب البنفسج / قلت ُ / اذن لن تتعثر – بعد – اسنان المشط فيها – أأنت كنت تجرين الأبدية / من شعفاتها / ويزعل عليك الابد ؟ / ياه !!!! حتام ستضفرين لي اكليل غار من حاشية الآس / ياشمسي ؟؟؟ ص 104.
يشكل الشاعر شاكر مجيد سيفو ثراء شعريا مدهشا بالقصيدة النثرية ذات الإشكالية من حيث استقصاء الأمكنة والمعاني والازمنة ،ويعتمد ذلك الثراء الشعري واللغوي من خلال الانتماء الأصيل للشاعر لوطنه ومعرفة تاريخه الاجتماعي والتاريخي والسياسي ،هذه المجموعة تسرح في ابتهاج نثري في خريطة تاريخ مدن وشعوب توارثت عبر آلاف السنين هذه النزاعات والانكسارات والفجائع .