مقدمة لسلسلة أحاديث تأمليَّة لعيد الظهور الإِلهيّ

مقدمة لسلسلة أحاديث تأمليَّة لعيد الظهور الإِلهيّ

"وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ جَاءَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ يَكْرِزُ فِي بَرِّيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ، قَائِلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ، فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً، وَيُوحَنَّا هذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَادًا وَعَسَلاً بَرِّيًّا، حِينَئِذٍ خَرَجَ إِلَيْهِ أُورُشَلِيمُ وَكُلُّ الْيَهُودِيَّةِ وَجَمِيعُ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ، وَاعْتَمَدُوا مِنْهُ فِي الأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ. فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: «يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الْآتِي؟ فَاصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ" (متى3: 1- Cool

.
يرتبط اسم يوحنا المعمدان ارتباطًا وثيقًا بعيد الظهور الإِلهيّ، فإنْ كانت والدة الإله هي أداة التجسد الإِلهيّ فيوحنا كانَ أداة الظهور الإِلهيّ العجيب، ظهر يوحنا المعمدان في الإنجيل فجأة وكان ظهوره ثورة اجتماعية على وصول حد الخطيئة إلى الذروة، فالوثنية منتشرة والرشاوى والوشاية والبُغض والحسد والرياء والشك في الإيمان وإضافة ممارسات لا علاقة لها بالشريعة وكان الفساد في المجتمع على أشده من معلمي الشريعة والجند وجباة الضرائب والنَّاس يكثرون ضمن الطبقة الفقيرة .
وعلى ضفاف الأردن وفي تلك البرية كان صوته صوت أسد زائر يملأ صوته الآفاق وكان شعار نبوته للنَّاس كلمة واحدة فقط "توبوا" .
ولا بدَّ أنَّ عظاته الَّتي لم يصلنا منها سوى الكلمات المذكورة من متى الاصحاح الثالث من نوع العظات النارية الَّتي بكتت ضمائر البعض والباقي ضمائر ميتة أو تغط في نوم عميق .
المظهر الخارجي للمعمدان بحد ذاته كان درسًا للابسي الحرير والَّذين التزموا ترف الحياة بالمظاهر الخادعة الكاذبة وتذكير لهم ببساطة العيش وعدم التكلف في المظاهر فالله ينظر للقلب هل هو مع الله أم مع المظاهر الكاذبة، ويصف الإنجيل مظهر المعمدان بطريقة بلاغية مدهشة وعميقة حيث يقول :"وَيُوحَنَّا هذَا كَانَ لِبَاسُهُ مِنْ وَبَرِ الإِبِلِ، وَعَلَى حَقْوَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ جِلْدٍ. وَكَانَ طَعَامُهُ جَرَادًا وَعَسَلاً بَرِّيًّا"، لباسه كانَ بسيطًا رخيص الثمن وطعامه بسيطًا أَيضًا،
ما ميز يوحنا كان صوته الَّذي يزأر بقوة يملأ المكان، ويمكن للمتأمل الَّذي يزور منطقة المغطس في المملكة الأردنية الهاشمية بصمت أنْ يسمع صدى هذا الصوت ما زال يملأ سماء المكان على ضفاف الأردن .
وفي يومنا الحاضر ما زالَ فسادُ المجتمع يحيط بنا كإحاطة السوار بالمعصم، فالفساد مستشري على مستوى الدول والأفراد وحتَّى الكنيسة بمختلف الصور والأشكال فساد إداري وفساد مالي أَيضًا، وما زالت الرشوى على أشدها على مختلف المستويات، والخطيئة محيط أكبر من البحر، والبعد عن الله يخيِم على العالم برمته، بل تطورت الخطيئة إلى أشكال بشعة، فالزواج المثلي تطور في الزنا، وغسيل الأموال تطور للسرقة، والكذب حدث ولا حرج، والقتل كلّ يوم بالجملة، وشهود الزور كثيرون، والظلم منتشر في جميع مناحي الحياة .
من هنا ما زال يوحنا بصوته يزأر كأسد البرية: "توبوا"، هو يزأر بصوت كاهن يعظ، وبقلم مؤمن يكتب الحق،والحقيقة، وفيلم يداعب عواطف الناس ويبكت الضمائر، وفقير يصرخ من الظلم، ودماء قتلى تصرخ من الأرض كدماء هابيل الصديق، فهل من يسمع الصوت أَمْ آذان تتصامم عن الحق والحقيقة؟! صوت المعمدان ما زال يصرخ من برية الأردن، توبوا، فهل من يسمع الصوت ويتأمل؟ لا بدَّ أنْ نسمع ونعترف بخطايانا، ليغسل الرَّبّ بمياه الأردن روحيًّا دنس خطايانا، فنحيا للبر ونلبس المسيح جوهرًا وشكلًا، ونصبح منابر تضيءُ ظلمة العالم بصوتِ الحق، توبوا فهل من مجيب؟

» المشاهير يتسوقون لعيد الميلاد
» في عيد الظهور الإلهي
» سلسلة قصيرة في الظهور الإلهي – الحلقة الأولى
» سلسلة قصيرة في الظهور الإلهي – الحديث الرابع
» مقدمة سلسلة زمن الصليب